الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008

العولمة والمحاسبة

قبل الخوض في العلاقة ما بين العولمة والمحاسبة كان لا بد أن أتطرق في البداية إلى أن مصطلح العولمة مصطلح جديد ظهر في العالم الغربي في بداية عقد التسعينيات حيث سبقه حدثان ضخمان أثرا في حركة و موازين القوه في العالم :
الأول: سقوط المعسكر الشرقي والمتمثل بالإتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب البارده ، والثاني : حرب الخليج الثانية في عام 1991م.

لقد أصبحت أمريكا بعد ذلك هي القطب الأوحد وفرضت سيادتها مستغلة تقدمها التقني والاقتصادي وقوتها العسكرية في تكريس هذه السيادة ، فبدأ في هذا الظرف التاريخي ظهور مصطلحات جديدة مثل « العالم الجديد » ومثل « العولمة » ، وقدأخذ الأخير حظه من الانتشار باعتبار أنه يمثل حركة الهيمنة والسيادة الغربية بأسلوبها الحضاري الجديد.
إن تعريف العولمة (GLOBALIZATION) هو: إكساب الشيئ طابع العالمية وبخاصة جعل نطاق الشيء أو تطبيقه عالميا ، وثمة إشكالية يواجهها كل باحث عن تعريف العولمة تتعلق بالتباين وعدم وجود تعريف متفق عليه بين الباحثين واختلاف التعريف باختلاف توجهات المعرفين ومفهومهم الشخصي للعولمة.

وعلى الرغم من كون هذا المصطلح جديدا إلا أن لكل باحث لهذا الموضوع تعريفا خاصا به.
من هذه التعريفات للعولمة, ما يلي:

1. التبادل الثقافي والتجاري .
2. التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية.

وما يهمنا هنا هو مصطلح العولمة من الناحية الاقتصادية حيث تعتبر هي التدفق الحر للسلع والخدمات والأفراد ورؤوس الأموال عبر العالم .
فالنمو السريع في معدلات التجارة العالمية وتزايد أعداد وأحجام الشركات متعددة الجنسيات والمتخطية لحدودها القومية لهو المؤشر على تزايد الاتجاه نحو العولمة .

إن عولمة الاقتصاد لابد أن ينعكس تدريجيا على المحاسبة وكما نعلم فإن المحاسبة كانت تعرف تقليديا بأنها " لغة الأعمال والتجارة حيث يعود تاريخها إلى عدة آلاف من السنين ، لن أخوض في هذه النقطة حيث وسبق التحدث في التطور التاريخي للمحاسبة 1 ، 2 ولكن لزيادة التوضيح أذكر ان التطور الرئيسي في المحاسبة كان في القرن الثالث عشر عندما ظهر نظام القيد المزدوج (مدين/ دائن) في إيطاليا ، وكان ذلك نتيجة لنمو العمليات التجارية وتوسعها إلى مواقع وأماكن مختلفة ، وفي القرن التاسع عشر وخلال الثورة الصناعية التي تلت الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأميركية كبرت أحجام الشركات وتزايدت أعداد الموظفين وتنوعت الآلات والمعدات المستخدمة في الصناعة مما جعل التجار وأصحاب الشركات يبحثون عن مصادر تمويل جديدة عبر إصدار أسهم وسندات لمستثمرين جدد.

بالإضافة إلى ذلك بدأت الحكومة في تلك الفترة بتطوير أنظمة وقوانين الضرائب ونتيجة لجميع هذه التغيرات نمت الحاجة إلى وجود تقارير محاسبية ومن ثم إلى توحيد طريقة إعداد هذه التقارير، وبدأت الجهود تنصب على وضع أسس وقواعد لمهنة المحاسبة نتج عنها ما أصبح يعرف بمعايير المحاسبة المتعارف عليها وتوالى بعد ذلك صدور المعايير المختلفة تبعاً لحاجة مستخدمي القوائم المالية للشركات. ثم فيما بعد وضعت معايير للمراجعة والتدقيق لضبط وتنظيم تلك الأعمال التي يقوم بها مراجعو الحسابات ويصدرون على أساسها الرأي المحاسبي ، لذلك فإن حاجات ومتطلبات الأسواق ومستخدمي القوائم المالية هي ما أدى إلى تطور مهنة المحاسبة بشكل عام والضوابط التي تقوم عليها على وجه الخصوص.

وفي أوائل السبعينات من القرن الماضي انطلقت بعض الجهود والمحاولات لوضع أسس دولية لمهنة المحاسبة أدت تدريجياً إلى نشوء ما يعرف بمعايير المحاسبة الدولية التي تهدف إلى توحيد المبادئ المحاسبية على مستوى العالم من أجل توفير قاعدة واحدة لقراءة القوائم المالية لمختلف الشركات من مختلف البلدان، وذلك تجاوباً مع توسع أنشطة التجارة حول العالم ونشوء المنظمات الدولية التي تعمل على زيادة عمليات الاستثمار والتبادل التجاري بين مختلف دول العالم.

إن المحاسبة خدمة مهنية ، ومن هذا الباب فانها تخضع تنظيميا وخدميا لمنظمة التجارة العالمية وتتركز جهود منظمة التجارة العالمية بشأن المحاسبة على تحرير التجارة في الخدمات المحاسبية إلا أن من الواضح انه يقع على عاتق المنظمة أيضا العمل على تحقيق التوافق في المعايير المحاسبية لسببين : الأول باعتباره وسيلة لتحقيق الغاية المرجوة من التوافق ، والثاني لما لتحقيق التوافق في المعايير المحاسبية من أهمية في التجارة في الخدمات.

ليس هناك من شك في إننا سنشهد تحقق معايير المحاسبة الدولية وكذلك التوصل إلى نظام التأهيل المحاسبي العالم ،  وان إرساء هذه المعايير الدولية والاعتراف بها على نطاق واسع سيعملان على تحديث مهنة المحاسبة وجعلها متفقة مع الاتجاه نحو العولمة، وعندما تكتسب مهنة المحاسبة بالفعل طابعها العالمي فانه يصبح بإمكاننا أن نأمل حتى في قدر اكبر من السعي نحو تحقيق اقتصاد عالمي بالمعنى الحقيقي للكلمة.